فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه لأنت أعلم بالله وأمره منا.
وأنزل الله تأكيدا لأمر الرؤيا لمن أشكل عليهم حالها {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام} الآية، فهذه الأشياء كلها كما ترى راجعة إلى الخفاء بالتعجب في أستار الأسباب، فلا يبصرها إلا أرباب التدقيق في النظر في حكمة الله سبحانه.
ولما كان مبنى ما مضى كله على القدرة بأمور خفية يظهر منها من الضعف غير ما كشف عنه الزمان من القوة، وكان تمام القدرة متوقفًا على شمول العلم، قال تعالى: {وكان الله} أي الملك الأعظم أزلًا وأبدًا {عليمًا} بالذوات والمعاني {حكيمًا} في إتقان ما يصنع، فرده لهم عن هذه العمرة بعد أن دبر أمر الصلح ليأمن الناس فيداخل بعضهم بعضًا لما علم من أنه لا يسمع القرآن أحد له عقل مستقيم ويرى ما عليه أهله من شدة الاستمساك به والبغض لما كانوا فيه من متابعة الآباء إلا بادر إلى المتابعة ودخل في الدين برغبة، وأدخل سبحانه خزاعة في صلح النبي صلى الله عليه وسلم وبني بكر وهم أعداؤهم في صلح قريش ليبغوا عليهم فتعينهم قريش الصلح بعد أن كثرت جنود الله وعز ناصر الدين، فيفتح الله بهم مكة المشرفة، فتنشر أعلام الدين، وتخفق ألوية النصر المبين، ويدخل الناس في الدين أفواجًا، فيظهر دين الإسلام على جميع الأديان. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ليؤمنوا} {ويعزروه ويوقروه ويسبحوه} بياءات الغيبة: ابن كثير وأبو عمرو. و{عليه الله} بضم الهاء: حفص {فسنؤتيه} بالنون: أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر. الآخرون: بالياء التحتانية والضمير لله سبحانه: {شغلتنا} بالتشديد: قتيبة {ضرًا} بالضم {كلم الله} على الجمع: حمزة وعلي وخلف {بل ظننتم} بالإدغام: علي وهشام {بل تحسدوننا} مدغمًا: حمزة وعلي وهشام.
{ندخله} {ونعذبه} بالنون فيهما: أبو جعفر ونافع وابن عامر {بما يعملون بصيرًا} بياء الغيبة: أبو عمرو {الرؤيا} بالإمالة: ابن عامر وعلي وهشام {شطأه} بفتح الطاء من غير مد: ابن ذكوان والبزي والقواس. الباقون: ساكنة الطاء.

.الوقوف:

{مبينًا} o لا {مستقيمًا} o لا على احتمال الجواز هاهنا لتكرار إسم الله بالتصريح {عزيزًا} o {إيمانهم} ط {والأرض} ط {حكيمًا} o لا لتعلق اللام {سيئاتهم} ط {عظيمًا} o لا للعطف {ظن السوء} ط {دائرة السوء} ج لعطف الجملتين المختلفين {جهنم} ط {مصيرًا} o {والأرض} ط {حكيمًا} o {ونذيرًا} o لا {وتوقروه} ط للفصل بين ضمير اسم الله وضمير الرسول في المعطوفين فيمن لم يجعل الضمائر كلها لله {وأصيلًا} o {يبايعون الله} ط {أيديهم} ج ط للشرط مع الفاء {على نفسه} ج للعطف مع الشرط {عظيمًا} o {فاستغفر لنا} ج لاحتمال ما بعده الاستئناف والحال {قلوبهم} ط {نفعًا} ط {خبيرًا} o {بورًا} o {سعيرًا} o {الأرض} ط {من يشاء} ط {رحيمًا} o {نتبعكم} ج لأن ما بعده حال عامله {سيقول} أو مستأنف {كلام الله} ط {من قبل} ج للسين مع الفاء {تحسدوننا} ط {قليلًا} o {يسلمون} o {حسنًا} ج {أليمًا} o {المريض حرج} ط لأن الواو للاستئناف {الأنهار} ج {اليمًا} o {قريبًا} o لا {يأخذونها} ط {حكيمًا} o {عنكم} ج لأن الواو مقحمة أو المعلل محذوف والواو داخلة في الكلام المعترض، أو عاطفة على تقدير ليستيقنوا ولتكون {مستقيمًا} o لا للعطف {بها} ج {قديرًا} o {نصيرًا} o {تبديلًا} o {عليهم} ط {بصيرًا} o {محله} ط {بغير علم} ج لحق المحذوف أي قدر ذلك ليدخل {من يشاء} ج لاحتمال أن جواب {لولا} محذوف وأن يكون هذه مع جوابها جوابًا للأولى {أليمًا} o {وأهلها} ط {عليمًا} o {بالحق} ج لحق حذف القسم {آمنين} لا {مقصرين} لا لأنها أحوال متابعة {لا تخافون} ط لأن قوله: {فعلم} بيان حكم الصدق كالأعذار فلا ينعطف على قوله: {صدق الله} {قريبًا} o {كله} ط {شهيدًا} o {رسول الله} ج لأن ما بعده مستأنف {ورضوانًا} ز لأن {سيماهم}.
مبتدأ غير أن الجمة من حد الأولى في كون الكل خبر والذين {السجود} ط {الإنجيل} ج لاحتمال أن التقدير هم كزرع {الكفار} ط {عظيمًا} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في الفتح وجوه: أحدها: فتح مكة وهو ظاهر وثانيها: فتح الروم وغيرها وثالثها: المراد من الفتح صلح الحديبية ورابعها: فتح الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان وخامسها: المراد منه الحكم كقوله: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} [الأعراف: 89] وقوله: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} [سبأ: 26] والمختار من الكل وجوه: أحدها: فتح مكة، والثاني: فتح الحديبية، والثالث: فتح الإسلام بالآية والبيان والحجة والبرهان.
والأول مناسب لآخر ما قبلها من وجوه أحدها: أنه تعالى لما قال: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله}.
إلى أن قال: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} [محمد: 38] بيّن تعالى أنه فتح لهم مكة وغنموا ديارهم وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا ولو بخلوا لضاع عليهم ذلك فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم ثانيها: لما قال: {والله مَعَكُمْ} وقال: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] بيّن برهانه بفتح مكة، فإنهم كانوا هم الأعلون ثالثها: لما قال تعالى: {فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} [محمد: 35] وكان معناه لا تسألوا الصلح من عندكم، بل اصبروا فإنهم يسألون الصلح ويجتهدون فيه كما كان يوم الحديبية وهو المراد بالفتح في أحد الوجوه، وكما كان فتح مكة حيث أتى صناديد قريش مستأمنين ومؤمنين ومسلمين، فإن قيل: إن كان المراد فتح مكة، فمكة لم تكن قد فتحت، فكيف قال تعالى: {فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} بلفظ الماضي؟ نقول: الجواب عنه من وجهين: أحدهما: فتحنا في حكمنا وتقديرنا ثانيهما: ما قدره الله تعالى فهو كائن، فأخبر بصيغة الماضي إشارة إلى أنه أمر لا دافع له، واقع لا رافع له.
المسألة الثانية:
قوله: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله} ينبىء عن كون الفتح سببًا للمغفرة، والفتح لا يصلح سببًا للمغفرة، فما الجواب عنه؟ نقول: الجواب عنه من وجوه: الأول: ما قيل إن الفتح لم يجعله سببًا للمغفرة وحدها، بل هو سبب لاجتماع الأمور المذكورة وهي: المغفرة، وإتمام النعمة والهداية والنصرة، كأنه تعالى قال: ليغفر لك الله ويتم نعمته ويهديك وينصرك، ولا شك أن الاجتماع لم يثبت إلا بالفتح، فإن النعمة به تمت، والنصرة بعده قد عمت الثاني: هو أن فتح مكة كان سببًا لتطهير بيت الله تعالى من رجس الأوثان، وتطهير بيته صار سببًا لتطهير عبده الثالث: هو أن بالفتح يحصل الحج، ثم بالحج تحصل المغفرة، ألا ترى إلى دعاء النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال في الحج: «اللّهم اجعله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا» الرابع: المراد منه التعريف تقديره إنا فتحنا لك ليعرف أنك مغفور، معصوم، فإن الناس كانوا علموا بعد عام الفيل أن مكة لا يأخذها عدو الله المسخوط عليه، وإنما يدخلها ويأخذها حبيب الله المغفور له.
المسألة الثالثة:
لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ذنب، فماذا يغفر له؟ قلنا الجواب عنه قد تقدم مرارًا من وجوه أحدها: المراد ذنب المؤمنين ثانيها: المراد ترك الأفضل ثالثها: الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعمد، وهو يصونهم عن العجب رابعها: المراد العصمة، وقد بينا وجهه في سورة القتال.
المسألة الرابعة:
ما معنى قوله: {وَمَا تَأَخَّرَ}؟ نقول فيه وجوه أحدها: أنه وعد النبي عليه السلام بأنه لا يذنب بعد النبوة ثانيها: ما تقدم على الفتح، وما تأخر عن الفتح ثالثها: العموم يقال اضرب من لقيت ومن لا تلقاه، مع أن من لا يلقى لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم رابعها: من قبل النبوة ومن بعدها، وعلى هذا فما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة، وفيه وجوه أُخر ساقطة، منها قول بعضهم: ما تقدم من أمر مارية، وما تأخر من أمر زينب، وهو أبعد الوجوه وأسقطها لعدم التئام الكلام، وقوله تعالى: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} يحتمل وجوهًا: أحدها: هو أن التكاليف عند الفتح تمت حيث وجب الحج، وهو آخر التكاليف، والتكاليف نعم ثانيها: يتم نعمته عليك بإخلاء الأرض لك عن معانديك، فإن يوم الفتح لم يبق للنبي عليه الصلاة والسلام عدو ذو اعتبار، فإن بعضهم كانوا أهلكوا يوم بدر والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح ثالثها: ويتم نعمته عليك في الدنيا باستجابة دعائك في طلب الفتح، وفي الآخرة بقول شفاعتك في الذنوب ولو كانت في غاية القبح، وقوله تعالى: {وَيَهْدِيَكَ صراطا مُّسْتَقِيمًا} يحتمل وجوهًا أظهرها: يديمك على الصراط المستقيم حتى لا يبقى من يلتفت إلى قوله من المضلين، أو ممن يقدر على الإكراه على الكفر، وهذا يوافق قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3] حيث أهلكت المجادلين فيه، وحملتهم على الإيمان وثانيها: أن يقال جعل الفتح سببًا للهداية إلى الصراط المستقيم، لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بالفوائد العاجلة بالفتح والآجلة بالوعد، والجهاد سلوك سبيل الله، ولهذا يقال للغازي في سبيل الله مجاهد وثالثها: ما ذكرنا أن المراد التعريف، أي ليعرف أنك على صراط مستقيم، من حيث إن الفتح لا يكون إلا على يد من يكون على صراط الله بدليل حكاية الفيل، وقوله: {وَيَنصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا} ظاهر، لأن بالفتح ظهر النصر واشتهر الأمر، وفيه مسألتان إحداهما لفظية والأخرى معنوية:
أما المسألة اللفظية: فهي أن الله وصف النصر بكونه عزيزًا، والعزيز من له النصر والجواب: من وجهين أحدهما: ما قاله الزمخشري أنه يحتمل وجوهًا ثلاثة الأول: معناه نصر إذ عز، كقوله: {فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] أي ذات رضى الثاني: وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادًا مجازيًا يقال له كلام صادق، كما يقال له متكلم صادق الثالث: المراد نصرًا عزيزًا صاحبه الوجه الثاني من الجواب أن نقول: إنما يلزمنا ما ذكره الزمخشري من التقديرات إذا قلنا: العزة من الغلبة، والعزيز الغالب وأما إذا قلنا: العزيز هو النفيس القليل النظير، أو المحتاج إليه القليل الوجود، يقال عز الشيء إذا قل وجوده مع أنه محتاج إليه، فالنصر كان محتاجًا إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله من الكفار المتمكنين فيه من غير عدد.
أما المسألة المعنوية: وهي أن الله تعالى لما قال: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} أبرز الفاعل وهو الله، ثم عطف عليه بقوله: {وَيُتِمَّ} وبقوله: {وَيَهْدِيَكَ} ولم يذكر لفظ الله على الوجه الحسن في الكلام، وهو أن الأفعال الكثيرة إذا صدرت من فاعل يظهر اسمه في الفعل الأول، ولا يظهر فيما بعده تقول: جاء زيد وتكلم، وقام وراح، ولا تقول: جاء زيد، وقعد زيد اختصارًا للكلام بالاقتصار على الأول، وههنا لم يقل وينصرك نصرًا، بل أعاد لفظ الله، فنقول هذا إرشاد إلى طريق النصر، ولهذا قلما ذكر الله النصر من غير إضافة، فقال تعالى: {بِنَصْرِ الله يَنصُرُ} [الروم: 5] ولم يقل بالنصر ينصر، وقال: {هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} [الأنفال: 62] ولم يقل بالنصر، وقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله والفتح} [النصر: 1] وقال: {نَصْرٌ مّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: 13] ولم يقل نصر وفتح، وقال: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} [الأنفال: 10] وهذا أدل الآيات على مطلوبنا، وتحقيقه هو أن النصر بالصبر، والصبر بالله، قال تعالى: {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} [النحل: 127] وذلك لأن الصبر سكون القلب واطمئنانه، وذلك بذكر الله، كما قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28] فلما قال هاهنا وينصرك الله، أظهر لفظ الله ذكرًا للتعليم أن بذكر الله يحصل اطمئنان القلوب، وبه يحصل الصبر، وبه يتحقق النصر، وههنا مسألة أخرى وهو أن الله تعالى قال: {إِنَّا فَتَحْنَا} ثم قال: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله} ولم يقل إنا فتحنا لنغفر لك تعظيمًا لأمر الفتح، وذلك لأن المغفرة وإن كانت عظيمة لكنها عامة لقوله تعالى: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} [الزمر: 53] وقال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48] ولئن قلنا بأن المراد من المغفرة في حق النبي عليه السلام العصمة، فذلك لم يختص بنبينا، بل غيره من الرسل كان معصومًا، وإتمام النعمة كذلك، قال الله تعالى: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] وقال: {يابني إسرائيل اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 47] وكذلك الهداية قال الله تعالى: {يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص: 56] فعمم، وكذلك النصر قال الله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} [الصافات: 171، 172] وأما الفتح فلم يكن لأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم، فعظمه بقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا} وفيه التعظيم من وجهين أحدهما: إنا وثانيهما: لك أي لأجلك على وجه المنة.
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)}.
لما قال تعالى: {وَيَنصُرَكَ الله} [الفتح: 3] بين وجه النصر، وذلك لأن الله تعالى قد ينصر رسله بصيحة يهلك بها أعداءهم، أو رجفة تحكم عليهم بالفناء، أو جند يرسله من السماء، أو نصر وقوة وثبات قلب يرزق المؤمنين به، ليكون لهم بذلك الثواب الجزيل فقال: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة} أي تحقيقًا للنصر، وفي السكينة وجوه أحدها: هو السكون الثاني: الوقار لله ولرسول الله وهو من السكون الثالث: اليقين والكل من السكون وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
السكينة هنا غير السكينة في قوله تعالى: {إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت فِيهِ سكينةٌ من ربِّكمْ} [البقرة: 248] في قول أكثر المفسرين ويحتمل هي تلك المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلوب.
المسألة الثانية:
السكينة المنزّلة عليهم هي سبب ذكرهم الله كما قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28].
المسألة الثالثة:
قال الله تعالى في حق الكافرين {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ} [الأحزاب: 26] بلفظ القذف المزعج وقال في حق المؤمنين {أَنزَلَ السكينة} بلفظ الإنزال المثبت، وفيه معنى حكمي وهو أن من علم شيئًا من قبل وتذكره واستدام تذكره فإذا وقع لا يتغير، ومن كان غافلًا عن شيء فيقع دفعة يرجف فؤاده، ألا ترى أن من أخبر بوقوع صيحة وقيل له لا تنزعج منها فوقعت الصيحة لا يرجف، ومن لم يخبر به وأخبر وغفل عنه يرتجف إذا وقعت، فكذلك الكافر أتاه الله من حيث لا يحتسب وقذف في قلبه فارتجف، والمؤمن أتاه من حيث كان يذكره فسكن، وقوله تعالى: {لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم} فيه وجوه أحدها: أمرهم بتكاليف شيئًا بعد شيء فآمنوا بكل واحد منها، مثلًا أمروا بالتوحيد فآمنوا وأطاعوا، ثم أمروا بالقتال والحج فآمنوا وأطاعوا، فازدادوا إيمانًا مع إيمانهم ثانيها: أنزل السكينة عليهم فصبروا فرأوا عين اليقين بما علموا من النصر علم اليقين إيمانًا بالغيب فازدادوا إيمانًا مستفادًا من الشهادة مع إيمانهم المستفاد من الغيب ثالثها: ازدادوا بالفروع مع إيمانهم بالأصول، فإنهم آمنوا بأن محمدًا رسول الله وأن الله واحد والحشر كائن وآمنوا بأن كل ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم صدق وكل ما يأمر الله تعالى به واجب رابعها: ازدادوا إيمانًا استدلاليًا مع إيمانهم الفطري، وعلى هذا الوجه نبين لطيفة وهي أن الله تعالى قال في حق الكافر {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًَا} [آل عمران: 178] ولم يقل مع كفرهم لأن كفرهم عنادي وليس في الوجود كفر فطري لينضم إليه الكفر العنادي بل الكفر ليس إلا عناديًا وكذلك الكفر بالفروع لا يقال انضم إلى الكفر بالأصول لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد فقال: {لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم} وقوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} فكان قادرًا على إهلاك عدوه بجنوده بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائهم بأيديهم فيكون لهم الثواب، وفي جنود السموات والأرض وجوه أحدها: ملائكة السموات والأرض ثانيها: من في السموات من الملائكة ومن في الأرض من الحيوانات والجن وثالثها: الأسباب السماوية والأرضية حتى يكون سقوط كسف من السماء والخسف من جنوده، وقوله تعالى: {وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} لما قال: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} وعددهم غير محصور، أثبت العلم إشارة إلى أنه.